اراء ومقالات
(في يوم المسرح ) الجمهور والمسرح من يأتي لمن ؟ عبدالحميد الصائح

شبكة نبض الحدث الاخبارية :
لا تتحقق العملية الكاملة في العرض المسرحي بلا جمهور . عنصر الجمهور في العملية هذه أخذ حيزا واسعاً من تطور وتنوع المسرح في العالم . والسبب أنّ الجمهور في الفنون الأخرى كالسينما والتلفزيون مجتمع لاحق مستهلك للإنتاج ، خلاف المسرح الذي يتشكل بوجود الجمهور كعنصر تأسيسي من عناصر العرض ومفردة جوهرية في خطابه .
ولأن الجمهور طيف لايمكن توصيف مستواه أو رغباته وميوله الفنية او حتى المزاج المناسب للموضوعات المطروحة ، عمل الفكر المسرحي العالمي بشكل احيائي اصلاحي ليحوّل المشاهد من مجرد متفرج إلى طرف في معادلة التأثير والاستجابة او التأثر ، ولذلك جاء مسرح برتولد برخت الملحمي انعطافة في مجال دور الجمهور في العرض المسرحي . فعمد إلى أساليب شتى لابعاد المتفرج عن الاندماج والتبني والدقة في عكس الواقع على الخشبة المقفلة مثل علبة يرى المشاهد مايدور بين جدرانها الأربعة .من تلك الأساليب كسر الإيهام . حديث الممثل إلى الجمهور مباشرة ، رمزية عناصر العرض بدل التجسيد التقريري . وغير ذلك مما جعل الجمهور هدفا للفكر الذي يطرحه العرض وليس زبونا متلصصا لمعرفة قصة او رواية للمتعة وإشباع الفضول . إذ اصبح الجمهور ثائرا وصانع راي يحاكم الظلم والفساد وآثار الحروب والقهر الاجتماعي والسياسي في العالم. ولهذا قال برخت أعطني خبزا ومسرحا أعطك شعبا مثقفا ، وقيل أيضاً ان المسرح علاج لأمراض المجتمع ، ويقصد هنا المسرح الذي ينظم علاقتنا بانفسنا وبمحيطنا وبتاريخ الإنسانية وملاحمها وقصصها وخيالها الذي نكون جزءا فاعلا منه .
فأي نوع من أنواع المسرح تنطبق عليه هذه المواصفات ؟ لاشك انه مسرح شعبٍ يُقبل على العلم والحياة ، شعب لا تشغله أساليب الإلهاء وذرائع مسخ الهويات .شعب منتبه إلى أن العالم قائم على التغالب وغريزة التفوق ، مقابل مسرح يتحدث بلغة الناس الرفيعة ويحاكي عقولهم اليقظة تلك ، انه المسرح الملتزم ، الذي لايخلو من متعة الطرح المسؤول، متعة المعرفة .
هذان هما النموذجان ، من المسرح والجمهور الذين يأتيان لبعضهما عند نقطة التقاء تتحقق عندها الجدوى من العملية المسرحية . خلاف ذلك ” إذا لم يستطع المسرح أن يطعمك ويجعلك شخصا افضل فعليك الهروب منه ” كما يقول المعلم التاريخي ” قسطنطين ستانسلافسكي”.
عبد الحميد الصائح

كل التفاعلات:
د. حامد الشطري، وعبد الجبار الصائح و٢٠ شخصًا آخر
أعجبني
تعليق
مشاركة